كبريانوس أسقف قرطجانة و الباباوية
القديس كبريانوس أسقف قرطجانة (258 م ) و الباباوية
يعلم القديس كبريانوس بوضوح بأن السيد المسيح تواضع و بني كنيسته علي بطرس:
[دعونا نسير
بمثال المسيح، كما يعلمنا يوحنا الرسول، قائلا: " من قال أنه يثبت في المسيح،
ينبغي عليه أيضا أن يسير كما هو سار." ( 1 يو 2 :6) بطرس أيضا، الذي عليه،
بتنازل الرب بنيت الكنيسة، يضعها في رسالته، و يقول، "المسيح تألم من أجلنا،
ترك لنا مثالا، أن نتبع خطواته، الذي لم يفعل خطية، ولا وجد في فمه غش،..."
(1 بط 2 :21-23)]
ANF, V. 5, St.Cyprian of Carthage :Treatise 9:9 : On the Advantage of
Patience, p.486.
وفي حديثه عن
النوفاتيين وهم هراطقة يقول :[لأنه بالنسبة للنوفاتيين، لم تخبرنا بأي شيء عنهم،
لأنه ينبغي علي الأغلب للنوفاتيين أن يكونوا كما أوضحنا لك، كطماعين للابتداع،
هائجين بضراوة لجشع لا يتوقف، منتفخين بكبرياء و غباء ...؛ مدانين دائما بصوت جميع
الكهنة هناك كهراطقة و خائنين؛ باحثين دائما، ليكونوا خائنين:... هذا هو نوفاتوس
نفسه الذي زرع أولا بيننا لهيب الفتنة و الانشقاق. الذي فصل بعض الأخوة هنا عن
الأسقف؛ الذي، في الاضطهاد نفسه، كان لشعبنا، اضطهادا أخر، ليقلب عقول الإخوة. هو
الذي، بدون سماحي أو معرفتي، و بسبب تحزبه و طموحه عيّن رفيقه فيليسيموس شماسا، و
بهيجانه أبحر أيضا إلي روما ليقلب الكنيسة، حاول أن يفعل أمور مشابهة و مماثلة
هناك، فاصلا بالقوة جزء من الناس عن الاكليروس، و فاصلا اتفاق الإخوة المتشابك معا
و الحب المتبادل كلا نحو الأخر. لأن روما بسبب عظمتها يجب أن تأخذ أسبقية قرطاجة
بوضوح، قد أرتكب هناك جرائم أعظم و أخطر.]
ANF, V. 5, St.Cyprian of Carthage :Treatise 2:48, p.325.
يشير إلي أسبقية
كرسي روما، لكن ما مصدر هذه الأسبقية، هل لأنها كرسي الإمبراطورية الغربية، أم
لأنها الكرسي الذي أسسه بطرس الرسول، من الواضح أن كرسي روما كان مميزا في الغرب
أكثر من باقية الكراسي.
كما يشير هنا
إلي أن نوفاتيوس هو مهرطق و خائن من فم جميع الكهنة هناك، ولم يشير إلي فم أسقف روما،
أليس لأن سلطان المجمع أعلي من سلطان أسقف روما، كما يتضح من رسالة أخري:
[لذلك عندما
يمنح الهدوء و الطمأنينه، و يسمح التسامح الإلهي بأن يجتمع الأساقفة في مكان واحد،
من ثم فإن المشورة تجمع من مقارنة كل الآراء المتصلة و الموزونة {المدروسة}، لنحدد
ماهو ضروري للقيام به. لكن لو أن أي شخص، من قبل مجمعنا، و من قبل الرأي الذي
يتقرر بناء علي مشورة الجميع، يرغب بتهور في التواصل مع الخاطئين، ينبغي أن يمنع
هو نفسه من الشركة. و قد كتبت ذلك بشكل كامل إلي روما، إلي الإكليروس الذين لم
يزالوا يتصرفون بدون أسقف، و إلي المعترفين، مكسيموس الكاهن، و بقية المحبوسين في
السجن، لكنهم الآن في الكنيسة، مع كرنيليوس. لتعلم أني قد كتبت ذلك من درهم، لأنهم
كتبوا كذلك في رسالتهم: "بالرغم من، ما أعلنته بنفسك في الموضوع الهام هو
مرضي لنا للغاية، أنه يجب الحفاظ علي سلام الكنيسة أولا؛ و من ثم، فإن إجتماعا
للمشورة يجتمع معا، مع أسقف، و كهنة، و شمامسة، و معترفين، كذلك مع العلمانيين
الذين وقفوا صامدين،...ولئلا يبدوا عدد الأساقفة في أفريقيا غير مرضي، كتبت أيضا
إلي روما، إلي كرنيليوس زميلنا، بشأن هذا، الذي هو نفسه عقد مجمع مع عدد كبير جدا
من الأساقفة، متفقا مع نفس الرأي الذي توصلنا إليه، بنفس الوزن، و الأعتدال
الناجح. ]
ANF, V. 5, St.Cyprian of Carthage, Epistle 51: 4-6
لعل الرسالة 52 أيضا، تؤكد لنا، كيف يصرح القديس كبريانوس برأيه كرأي شخصي و مؤقت، حتي يتم حسم القرار عندما يجتمع المجمع ( see: ANF, V. 5, St.Cyprian of Carthage, Epistle 52: 3,p.363 )
بالتأكيد لا يعني ذلك أن الأسقف ليس له رأي أو سلطة أو قرار، لأنه يؤكده السلطة الكهنوتية عموما علي الأخرين فيقول: [لأنه لم تنشأ البدع، ولم تصدر الانشقاقات من أي مصدر إلا من هذا، أن كاهن الله لا يطيع؛ ولا يصنع اعتبارا أن هناك شخصا في هذا الوقت كاهنا في الكنيسة، و في هذا الوقت يحكم بدلا من المسيح؛ الذي، وفقا للتعليم الإلهي، يقضي الآن بدلا من المسيح، ينبغي علي الإخوة بأكملها أن تطيع، ولا يثير أي أحد شيئا، ضد جماعة الكهنة؛ لا أحد، بعد الحكم الإلهي، و بعد انتخاب الشعب، بعد موافقة الأساقفة المجتمعين، يجعل من نفسه قاضيا، ليس الآن من قبل الأسقف، لكن من الله. لا أحد سيشق الكنيسة بواسطة تقسيم وحدة الكنيسة. لأ أحد إرضاء لنفسه، و بانتفاخ غروره، سوف ينشأ بدعة جديدة.]
ANF, V. 5, St.Cyprian of Carthage, Epistle 64: 5,p.341
هنا يؤكده سلطة الأسقف أو الكاهن الشرعية علي شعبه، و لاحظ أنه يتكلم عن السلطة الكهنوتية وليس سلطة أسقف روما، لأنه في هذه الرسالة يشجع كرنيليوس أسقف روما علي حرمانه لشخصين تسببوا في أنشقاق في الكنيسة و تعدوا علي سلطة الأسقف.
كما يعتقد
القديس كبريانوس بأن الرب سلم سلطته لبطرس، لكن بعد قيامته أعطي كل الرسل سلطة
متساوية، لكنه في البداية أعطاها لبطرس كإشارة للوحدة، إذ أعطي التلاميذ نفس الشرف
و السلطة، وبذلك تكون وحدة الكنيسة الجامعة منطلقة من الوحدة، هذا المفهوم سيطر
تقريبا علي كل كتابات القديس كبريانوس، إذ تكرر لفظ الوحدة أكثر من 200 مرة في
كتاباته.
["قال الرب
لبطرس، أنا أقول لك، أنت بطرس؛ و علي هذه الصخرة سأبني كنيستي،
و أبواب الجحيم سوف لن تقوى عليها. و سأعطيك مفاتيح ملكوت السموات؛ وما تربطه في الأرض
سيكون مربوطا في السماء و ما تحله في الأرض سيكون محلولا في السماء." و أيضا نفس
الشيء قال له، بعد قيامته، "ارعي غنمي".
و بالرغم من ذلك،
فبعد قيامته، أعطى كل الرسل سلطة متساوية، و
قال، "كما أن الآب قد أرسلني، كذلك أرسلتكم: اقبلوا الروح القدس؛ ما تحلونه من
خطاياه، يكون محلولا؛ و من تبقون خطاياه، تبقي فيه؛" (يوحنا20: 21)، ذلك لكي يضع وحدة قوية،
فهو رتب بسلطته اصل هذه الوحدة، لكونها من واحد. و بتأكيد بقية التلاميذ كانوا تماما
مثل بطرس وهبوا بشركة مماثلة كل من الشرف و السلطة؛ لكن البداية تصدر من الوحدة. فهي
كنيسة واحدة، كذلك أشار الروح القدس في
نشيد الأنشاد، "يا حمامتي، المفضلة لي, الفريدة. هي وحيدة امها التي ولدتها، مفضلة
ممن حملتها" (نشيد الأنشاد 6 : 9)][1]
ANF, V. 5,
St.Cyprian of Carthage :Treatise 1:4
شكلت المقالة الأول (في وحدة الكنيسة) و
خاصة الفقرة السابق ذكرها جوهر فلسفة القديس كبريانوس في وحدة الكنيسة[2]،
فما كان يشغل فكره دائما و يكاد في كل رسائل شيء بنفس القدر الذي شغله موضوع وحدة
الكنيسة، الكنيسة ككل، في روما وفي أفريقيا و في فرنسا (آرل)، ولم نلاحظ أي إشارة
في كلامه عن سلطان لأسقف روما، أو ما شابه، بل كان دائما يبحث عن الاتفاق بين كل
الكنائس، تكشف لنا مراسلات القديس كبريانوس مع أساقفة روما عن جانب مهم في طبيعة
العلاقات بين كرسي روما و كرسي قرطجانة، في وقت انتشرت فيها هرطقة نوفتيان، الذي
رفض توبة الخطاة تماما و أنشق عن الكنيسة و بدأ يعمد و يرسم كهنة و أساقفة بشكل
غير شرعي، عاصر القديس كبريانوس 4 أساقفة من كرسي روما.
1- الاسقف فبيان
في رسالة موجهة إلي الإكليروس و الشعب في روما عند نياحة الأسقف فبيان يشير فيها إلا الأسقف الراحل كونه زميله: [كبريانوس، إلي الشيوخ و الشمامسة، و الإخوة المقيمين في روما، يرسل ، التحية، في حين كان تقرير رحيل الأخ الممتاز زميلي مازال غير مؤكد بيننا، أيها الأخوة الأحباء، وكنت أتردد في رأيي في هذا الموضوع، تلقيت رسالة منكم بواسطة سرمنيوس Crementius مساعد الشماس، والتي فيها تم إبلاغي بشكل مفصل عن نهايته المجيدة؛ وقد فرحت جدا ... أهنئكم كثيرا، لأنكم تكرمون ذكراه بشهادة علانية و لامعة جدا، لأني أعلمت بوسائلكم، ليس فقط ما هو مجيد بالنسبة لكم في تواصلكم مع ذكرى أسقفكم، لكن ما يجب أن يمنحني أيضا مثالا للإيمان و الفضيلة ...]
ANF, V. 5, St.Cyprian of Carthage, Epistle 3: 1 ,p.282
2- الأسقف كورنليوس
نفس التعبيرات تماما تتكرر مع كل الأساقفة
في روما مثلهم مثل الأساقفة الأخرين:
[كبريانوس لكرنيليوس أخيه تحية، أيها الأخ العزيز، ...] Epistles: 40,42,46,48
ونلاحظ الرد نفسه في المقابل [ كرنليوس إلي
كبريانوس أخيه تحية....] 45 , 47 :
و الأمر لا يتوقف فقط علي الرد، بل علي حرص
كلا الأسقفين علي تبادل المعلومات و الآراء بخصوص التحديات المشتركة، خاصة في
هرطقة نوفتيان
في الرسالة رقم 53 القديس كبريانوس يبلغ كرنليوس
أسقف روما بقرار المجمع الأفريقي بخصوص القبول العام التائبين قائلا [ لقد قررنا
... ] ، لقد قرر الأساقفة الأفارقة من قبل قانون توبة لمن ضعف و أنكر الأيمان في زمن
الاضطهاد، وأن لا يتم قبوله بسهولة إلا بعد فترة توبة، باستثناء وحيد وهو أن يكون
التائب قريب من الوفاة، لكن و قد عادت هوجة الاضطهاد علي الكنيسة في أفريقيا مرة
أخرى، قرر الأساقفة قبول عام للتائبين لتشجيعهم علي احتمال الاضطهاد، والقديس
كبريانوس يشارك القديس كرنليوس في قرارات المجمع الأفريقي، الأمر الذي سيكون نوع
من التصرف السيء لو كان للكرسي الروماني الحق في التقرير.
في الرسالة 54 رسالة طويلة من كبريانوس إلي كرنليوس للتشجيع و النصح ضد أكاذيب فورتيوناتيوس و فلسيسيموس و هكذا تضح العلاقة بين الأسقفان بعلاقة مشاركة و وحدة و اتفاق ، يتضح من رسالة تشجيع أرسلها لكرنيليوس في منفاه يقول :[ كبريانوس إلي كرنليوس أخيه، لقد تم اطلاعنا، أيها الأخ العزيز، علي الشهادات المجيدة لإيمانك و شجاعتك وتلقينا بابتهاج شرف اعترافك، حتي أننا نعتبر أنفسنا أيضا شركاء و رفقاء في فضائلك و أعمالك الممدوحه. لأنه كما لدينا كنيسة واحدة و عقل متحد، و اتفاق غير منقسم، فأي كاهن لا يهنئ نفسه بفضائل رفيقه الكاهن كما لو أنه فصائله؛ أو أي أخوة لا يفرحون بفرح أخوتهم؟ إني لا أستطيع أن أعبر بشكل كافٍ علي مدي عظمة ابتهاجي و كم كانت الفرحة عظيمة هنا، عندما سمعنا عن نجاحك و شجاعتك، بأنك قد وقفت بقوة كقائد للاعتراف الإخوة هناك؛ و، علاوة علي ذلك، كيف أن اعتراف القائد قد زاد برضا الأخوة، لذلك، بينما كنت تسبقهم في المجد، فإنك قد جعلت الكثير من رفقائك في مجد، و أقنعت الناس ليصبحوا معترفين بإعدادهم مسبقا للاعتراف {باعترافك} نيابة عن الجميع؛ لذلك فإننا محتارين علي ما يجب علينا أن نمدحك فيه أولا، سواء كان إيمانك اليقظ و الحاسم، أو المحبة التي لا تنفصل للإخوة. ففيك شجاعة الأسقف من قبل أن تثبت علانية، و أتضحت وحدة الأخوة فيما بعد. مثلما هي معك عقل واحد و صوت واحد، الكنيسة الرومانية كلها قد اعترفت.]Epistle 56: 1
يكشف هذا الجزء علي فكر الوحدة عند القديس كبريانوس، كيف أن الأساقفة جميعا هم أخوة و شركاء و في وحدة واحدة، و كيف يشجع ويساند كل منهم الأخر وكيف تكون القيادة الكنيسة بين الأخوة الأحباء باتحاد و محبة، و قد أنتهي مصير الأسقف كرنليوس بالإستشهاد، و جلس علي كرسيه الأسقف لوسيوس.
يتكرر نفس الشيء فيما بعد مع أسطفانوس أسقف
روما ( اللاحق بعد كرنيليوس و لسيوس)
[كبريانوس لأخيه استفانوس تحية، أيها الأخ العزيز.
كتب لي فوستينوس، زميلنا المقيم في ليون، مرارًا وتكرارًا ، يخبرني بتلك الأشياء التي
أعلم أيضًا بالتأكيد أنها قيلت لك ، منه و
كذلك من قبل زملائنا الأساقفة الآخرين، في نفس المقاطعة ، أن ماركيانوس ، المقيم في
آرل ، قد ضم نفسه إلي نوفاتيان ، وخرج عن وحدة الكنيسة الجامعة ، وعن اتفاق جسدنا وكهنوتنا
، معتقدًا بأقصى درجات الفساد في الافتراض الهرطوقي ، بان وسائل تعزية وإعانات الحب الإلهي والحنان الأبوي
مغلقة في وجه خدام الله الذين يتوبون ويحزنون ويقرعون على باب الكنيسة بالدموع والأهات
والمرارة ؛ وأن الجرحى لا يسمح لهم بتسكين جراحهم ، ولكن إذا تركوا دون أمل في السلام
والشركة ، فيجب إلقاؤهم ليصبحوا فريسة للذئاب وغنيمة الشيطان ؛ المهم أيها الأخ العزيز
، من واجبنا أن ننصح ونساعد ، لأننا نحن الذين نراعى الرأفة الإلهية ، ونحافظ على التوازن
في حكم الكنيسة .
اظهار هذا التوبيخ القوي للخطاة بهذه الطريقة،
و مع ذلك، نحن لا نرفض دواء الصلاح الالهي و الرحمة في رفع المدة و مداوة الجرح.
لذلك يجب عليك أن تكتب رسالة غزيرة جدًا إلى زملائنا الأساقفة المعينين في بلاد الغال ، وألا تعاني بعد الآن من إهانة ماركيان. Marcian .... ] Epistle 66 :1-2
لاحظ كيف كان يتم مشاركة الاخبار بين الاساقفة
للحفاظ علي وحدة الكنيسة، فلم ترسل الرسائل للبابا اسقغ روما، بل ارسل اساقفة الغال
رسائل لإعلام ومشاركة اساقفة افريقيا كما روما بإنضمام ماركيان أسقفهم لنوفتيان المهرطق..
و من الواضح أن القديس كبريانوس هنا ينصح استطفانوس
اسقف روما بما يجب أن يفعله...
3- الأسقف لوسيوس
أرسل القديس كبريانوس رسالة إلي أسقف روما لوسيوس
عقب عودته من المنفى يمدحه فيها علي احتماله و اعترافه بالإيمان:
[كبريانوس، مع زملائه، إلي لوسيوس أخيه،
تحيه. لقد هنأناك بالفعل مؤخرا، أيها الأخ العزيز، عندما ...] Epistle 57 :1 لكن الأمر
لم يدم طويلا إذ نال لوسيوس إكليل الشهادة أخيرا.
مشكلة معمودية الهراطقة
و بإستشهاد لوسيوس يجلس استفانوس كأسقف
لروما، لكن كانت العلاقة بين القديس كبريانوس و أستفانوس أسقف رومية علاقة عدم
اتفاق، حاول القديس كبريانوس فيها الحفاظ علي الوحدة لكنه فشل، و تطور الأمر لتدخل
البابا ديونسيوس السكندري، لكن توقف الإنشقاق بإنشغال كل كنيسة بالإضطهاد الجديد
الذي ثار عليهم، و من المهم الوقوف علي الخلفية التاريخية لهذه الفترة حتي نتمكن
من قراءات المراسلات بينهم بشكل أوضح.
فحدث أنه أثير خلاف عن قبول معمودية
الهراطقة و المنشقين في وقت سابق، فاختلفت الآراء فكان رأي كنائس أسيا الصغرى و
الكبادوك و كيليكية و غلاطية و سوريه و مصر و أفريقيا أن المعمودية لها فاعليتها
في الكنيسة الأرثوذوكسية فقط و أن معمودية المنشقين و الهراطقة ليست معمودية، و
بتالي كانت تعمد الذين يرجعون إليها منهم، طالما لم يكونوا قد تعمدوا فيها سابقا،
أما كنيسة رومية فكانت تعلم بأن كل معمودية تعمد باسم الثالوث القدوس أو باسم يسوع
المسيح هي صحيحة و مقبولة. فلم تكن تعمد الراجعين إليها منهم، فكانت ببساطة تعتبر
و تقبل معمودية الهراطقة، و كان الحال سائرا حسب عادة كل كنيسة بلا نزاع، و كان قد
حدث مجمع في أيقونية و في سنادا ( 230م) برئاسة فرميليانوس أسقف قيصرية و قرر عدم
صحة معمودية الهراطقة، و عقد اغربينوس أسقف قرطجانة (السابق للقديس كبريانوس) مجمعا
كبير و قرر القرار نفسه.[3] لكن
حين ظهر شخص يدعى نوفتيان ( أو نوفتيانوس) و كان قسا في الكنيسة الرومية و كان
شديد الصرامة في التعامل مع التائبين، حتي أدعي أنه لا خلاص لمن أنكر الإيمان وقت
الاضطهاد و تاب و رجع، وكان يعيد تعميد التائبين و تعميد من قاموا بقبول توبتهم من
الاكليروس أيضا، وذلك وقت حبرية البابا كرنيليوس، فما كان من الاسقف كرنليليوس إلا
أنه حرم نوفتيان و اتباعه ، و كتب عنه لكبريانوس أسقف قرطجانه و تبادلا الرسائل بخصوص
هذا الأمر، غير أن نوفتيان استحضر ثلاثة أساقفة من البسطاء و خدعهم و أسكرهم و
أجبرهم أن يساموه أسقفا علي رومية في الساعة العاشرة من النهار. وهكذا صار أسقفان
علي كرسي رومية في وقت واحد، و أستمر الحال إلي سنة 253 حين قام أستفانوس أسقف
رومية، بتشديد المنع في أمر تعميد الهراطقة، و لم يكتفي بذلك بل أرسل إلي أسقف
فيصرية فرميليانوس ومنعه من تعميد الهراطقة. لكن فرميليانوس استغرب تدخله في
أموره، و لم يعطيه اهتماما. فعقد استفانوس مجمع سنة 254، حكم فيها بقطع فرميليانوس
و أساقفة كيلكية و غلاطية الموافقين له.
و حينما أثير الموضوع في أفريقيا عقد مجمع
في قرطجانة تحت رسائة كبريانوس ( سنة 255) – مجمع قرطجانة السابع- و قرر عدم
الاعتراف بمعمودية الهراطقة ، و تكرر المجمع سنة 256 و لم يقرر جديدا.
4- الأسقف أستفان (أستفانوس)
في رسالة رقم 70
إلي كوينتوس أسقف موريتانيا ، ينكر علي أستفانوس أسقف رومية تصلفه قائلا:
[لأن بطرس، الذي أختاره الرب أولا، وعليه
بني كنيسته، (مت 16 : 18) عندما تخاصم بعد ذلك مع الرسول بولس بشأن الختان، لم
يدعي أو يفترض أي شيء لنفسه بتصلف أو بغطرسه، ليقول أنه له الأسبقية، و ينبغي أن
يطالع بالأحرى من أولئك الذي كانوا متأخرين و جاءوا حديثا. ولا أحتقر بولس لأنه
كان قبلا مضطهدا للكنيسة، لكنه أعترف بمجمع الحق، وكان مستعدا أن يوافق علي الأسس
المشروعة التي تبناها بولس؛ معطيا لنا بهذا الطريقة شكلا من الاتفاق و الصبر، أنه
لا ينبغي لنا نتمسك بآرائنا الخاصة بعناد، لكن بدلا من ذلك ينبغي لنا أن نحسب أي
اقتراح صادق و صحيح لأي من أخواتنا أو زملائنا أنه {اقتراحنا} الخاص لأجل الصحة و
الصالح {الخير} العام.]
ANF, V.5 , St.
Cyprian of Carthage: Epistle to Quintus (70):3.
أرسل القديس كبريانوس و أساقفة مجمع
قرطجانة السابع قرراتهم إلي الأسقف أستفان ليحثه فيها علي عمل مجمع مشترك للحفاظ
علي الوحدة قائلا:
[كبريانوس و {الأساقفة} الأخرون، إلي
أستفان أخيهم، تحية. لقد رأينا أنه من الضروري لترتيب بعض الأمور، أيها الأخ
العزيز، و استقصائها عن طريق فحص مجمع مشترك، لنجتمع معا و نعقد مجمع، إذ يجتمع
فيه العديد من الكهنة في آن واحد، علاوة علي أن، الكثير من الأشياء قد أثيرت وجرت.
لكن الموضوع الأهم الذي كنا نراعي أن نكتبه إليك، ولنتشاور مع رزانتك و حكمتك،
يتعلق بشكل خاص جدا بكلا السلطة الإلهية و الواحدة، مثلما يتعلق بكرامة، الكنيسة
الجامعة،..... نضيف، مع ذلك، و استكمالا مع ما قلناه، أيها الأخ العزيز، باتفاق و
سلطة مشتركة، أنه إذ، .....لقد قدمنا هذه الأمور إلي معرفتك، أيها الأخ العزيز، من
أجل كرامتنا المتبادل و مشاعرنا الصادقة؛ مؤمنين بأن، وفقا لحق تدينك و إيمانك،
فإن هذه الأمور التي ليس بأقل تدينا عن الحق سوف توافقها. لكننا نعرف أن البعض سوف
لا يتخلى عن الأشياء التي إعتاد عليها، و ليس من السهل تغير عزمهم؛ لكن، مع الحفاظ
علي رباط السلام و الوفاق العميق بين الرفقاء، يحتفظون ببعض الأشياء الخاصة بهم، و
التي أتخذوها (تبنوها) بينهم. والتي من أجل المصلحة، لا نعنف، ولا نفرض قانونا
علي، أي أحد، إذ كل أسقف له في إدارة الكنيسة ممارسة إرادته بحرية، كما سيقدم
حسابا علي تصرفه للرب. نودعك أيها، الأخ العزيز، كل وداع قلبي]
في الرسالة السابقة يبلغ أستفان بقرار مجمع
قرطجانه السابع، و فيه كالمعتاد يركز بالأكثر علي الوحدة و الوفاق بين الكنائس و
بين الأسقف الاخوة، كما من الواضح يشير إلي أن تمسك البعض بتعليم يتبناه، و يقصد
هنا أستفان نفسه (راجع الرسالة 78 إلي الأسقف بومبي لأنه كان ضد قرارات المجمع)،
وهو في ذلك يعطي مساحة من الحرية للأسقف في إدارة أسقفيته المؤتمن عليها، مراعيا
لرباط السلام و الوحدة ،و بالتأكيد هذه الحرية التي لكل أسقف في إدارة أسقفيته لم
يكن ليتكلم عنها في حالة الخضوع لكرسي روما، علينا أن نلاحظ هنا مدي سماحة القديس
كبريانوس و اتساع قلبه من أجل الوحدة.
لكن كان رد الأسقف أستفانوس للمجمع أنهم
يجب أن يجروا علي التسليم الذي تسلمه و يضعون الأيدي فقط علي الراجعين من الهرطقة(رسالة
74)، و كما استغرب فرميلينوس أسقف قيصرية ، أستغرب كبريانوس و أنكر فرض رأيه علي
كنيسته فيكتب في رسالته إلي بومبيوس أحد أساقفة أفريقيا يقول
(رسالة 73 إلي الأسقف بومبي)..[من أين هذا
التقليد؟ و هل هو منحدرا من سلطان الرب و من الإنجيل، أم أنه من أوامر و رسائل
الرسل؟ لأجل أن تلك الأشياء التي كتبت يجب أن تفعل....]
وكانت حجة أستفانوس في هذه النقطة أن
المعمودية واحدة ويجب أن لا تعاد المعمودية أبدا، وهو بذلك يعترف بمعمودية
الهراطقة، و كان يستشهد بحادثة في سفر أعمال الرسل عندما عمد فيلبس أهل السامرة،
فأرسلت الكنيسة بطرس و يوحنا اللذان وضعا عليهم الأيدي فقط لحلول الروح القدس ،
ولم يعيدوا معموديتهم، لكن كان رد كبريانوس بأنهم تعمدوا علي نفس الإيمان و ليس
بإيمان مختلف... لكن في حالة الهراطقة فأنهم يستحيل أن يعطوا معمودية صحيحة لأن
المعمودية الصحيحة في الكنيسة فقط و ليس خارجها.
وفي محاولة الأساقفة الأفارقة للحفاظ علي
الوحدة، و كذلك فرمانيوس أسقف قيصرية أرسل كل منهم رسلا برسائل إلي أسقف رومية،
فما كان من أستفانوس إلا أنه رفض مقابلة الرسل و حرمهم جميعا، وهكذا بدء الشقاق
بين كنيسة رومية وكنائس قيصرية و أفريقيا...
وفي رسالة (74) أرسها فرمانيوس أسقف قيصرية
إلي القديس كبريانوس يقول عن أستفانوس أسقف رومية: [علي الرغم من أننا نلنا معروفا
من هذه الفائدة علي حساب استفانوس (يقصد زيادة رباط السلام بينه و بين كبريانوس)،
فبالتأكيد أستفانوس لم يفعل أي شيء مستحقا لطف أو شكر. لأنه لا يمكن اعتبار يهوذا
مستحقا بغدره و خيانته التي أساء بها إلي المخلص، كأنه كان السبب لمثل هذه الفوائد
العظيمة {نعمة الفداء}،التي من خلالها أنقذ العالم و الشعب الأممي]
[لكن الذين هم في روما لا يراعون تلك
الأشياء في كل الحالات التي سلمت من البداية، و يتظاهر عبثا بسلطة الرسل....]
[أنا غاضب بحق من حماقة ستفان الواضحة جدا
و الظاهرة، الذي يفتخر بمكانة أسقفيته، و يدعي أنه يحمل خلافة بطرس، التي عليه
تأسست الكنيسة، يجب أن يقدم العديد من الصخور الأخرى و يؤسس مبان لكنائس كثيرة؛ معتبر بسلطاته أن
هناك معمودية فيها. لأن الذين يعمدون، بلا شك، يزيدون عدد الكنيسة. لكن الذي يوافق
علي معموديتهم، يبين، أن أولئك المعمدين، التي معهم أيضا الكنيسة. لا يفهمون أن حق
صخرة الكنيسة قد طغي عليه ، و بمقياس أخري محوه، بأولئك عندما خان و رفض
الوحدة......]
من الواضح هنا أن فكرة الباباوية كان له
أثر من زمن القديس كبريانوس...
وفي مجمع قرطجانة قال القديس كبريانوس:
[يبقى، أنه و بناء عليه هذه المسألة يجب أن يطرح كل واحد منا ما نفكر فيه، غير
حاكمين علي أحد، ولا رافضين أحدا من حق الشركة، لو أنه يفكر بشكل مختلف عنا. لأنه
لا أحد منا نصب نفسه أسقفا للأساقفة ولا بإرهاب استبدادي يجبر زميله علي ضرورة
الطاعة؛ لأن كل أسقف، له الحق الأصيل للحكم، ولا يمكن لأحد أن يحكم من شخص أخر
أكثر مما يستطيع هو نفسه أن يحكم علي الأخر....]
ANF,
V.5 , The Seventh Council of Carthage under Cyprian,p.565.
كما قال أسقف من الأساقفة الأخرين يدعى
فورتيناتيوس أسقف تيكابورس: [يسوع المسيح
ربنا و إلهنا، ابن الله الآب و الخالق، بنى كنيسته علي صخرة، وليس علي هرطقة؛ و
أعطي قوة التعميد للأساقفة، و ليس للهراطقة.]
ANF, V.5 ,
The Seventh Council of Carthage under Cyprian,p.567.
يظهر من كلام الأسقف فورتيناتيوس هنا أن
الصخرة المقصود بها الإيمان .
نوجز كلامنا علي القديس كبريانوس بأنه
العلاقة بين الكرسين كانت علاقة بين أخوين، و ليس بين رئيس و مروؤس، أو سلطة أعلي
و سلطة أقل، فكان القديس كبريانوس يخاطب أساقفة روما بأخي و زميلي مثلهم مثل باقي
الأساقفة في أي مكان، و كذلك فعلوا هم، ولا توجد إي إشارة علي الإطلاق علي حديث
بين رئيس و مرؤوس.
يفسر القديس كبريانوس الصخرة بأنها بطرس
بشكل واضح، لكن ليس بالمفهوم الباباوي، لكن بمفهوم الوحدة والتساوي مع كل الرسل
كما صاغها في اطروحته عن وحدة الكنيسة.
[1] تم التلاعب في هذا المقطع بشكل مبالغ فيه، لكن الترجمة أعلاه هي وفق
ما ورد في مجموعة أباء ما قبل نقية ANF، و هي كذلك بالتمام في مجموعة الآباء التي تصدرها الجامعة الكاثوليكية،
راجع:
the fathers of the church a new translation, v.36,
St.Cyprian treatises: THE UNITY OF THE CATHOLIC CHURCH,P.98-99.
أما البعض فيضيف الآتي:[ وعليه {بطرس}، هو وحده، بني كنيسته، و يرعى
غنمه... و أعطيت الأولوية لبطرس لكي تظهر كنيسة واحدة للمسيح و فهم واحد، و هم جميعا
رعاه، و الصخرة واحدة، التي يذيها جميع الرسل باتفاق (أو خضوع)...من هجر كرسي بطرس
الذي قامت عليه الكنيسة]، ورده هذه الإضافة في الهامش في مجموعة ANP، و ذكر المحرر
تعليقه عليها أنها [بلا شك مزورة.]
[2] تكرر
نفس الكلام في الرسالة 72 :7 إلي جبيانوس ، راجع:
ANF, V. 5, St.Cyprian of Carthage :Epistle LXXII: 7 ,
P.381
[3] تاريخ
الإنشقاق الكنسي، جرمسيوس مسرة، الجزء الأول ، ص 69 -74
تعليقات
إرسال تعليق