مفاعيل أو عمل الإفخارستيا في المؤمنين


1- مغفرة الخطايا

"خذوا كلوا. هذا هو جسدي..هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا" مت 26: 26، 28

عندما نتناول فإننا نتحد بجسد المسيح ، الجسد القائم من الموت و المنتصر علي الخطية.

وعندما نتناول من الدم، فإننا نتناول من الدم المدفوع ثمن للخطية، المكفر (cover)عن الخطية، فيهرب الموت الذي فينا، و تهرب الخطية أيضا.

و لا نغفل عن جمرة إشعياء التي طهرت لسانه و التي كانت رمزا لتطهير جسده كله

[فَطَارَ إِلَيَّ وَاحِدٌ مِنَ السَّرَافِيمِ وَبِيَدِهِ جَمْرَةٌ قَدْ أَخَذَهَا بِمِلْقَطٍ مِنْ عَلَى الْمَذْبَحِ،  وَمَسَّ بِهَا فَمِي وَقَالَ: «إِنَّ هذِهِ قَدْ مَسَّتْ شَفَتَيْكَ، فَانْتُزِعَ إِثْمُكَ، وَكُفِّرَ عَنْ خَطِيَّتِكَ»]  سفر إشعياء ٦ : ٦-٧


يقول القديس كيرلس الكبير: جسد المسيح يمدنا بالقوة ضد النزوات و ضد الشياطين لأن الشيطان يخاف من الذين يشتركون في الأسرار بوقار و تقوي.

ويقول أيضا : [لأنه منذ أن سكن كلمة الله المعطي الحياة في الجسد، حوله إلى صلاحه الذاتي الخاص به، أي الحياة، وبالاتحاد غير المنطوق به، أي مجيئه الكامل في الجسد، قد جعله معطيا للحياة، كما هو ذاته بالطبيعة معطي الحياة. لهذا فإن جسد المسيح يعطي حياة لكل من يشترك فيه. لأنه يطرد الموت، حينما يدخل في أناس مائتين، ويزيل الفساد، إذ أن جسده ممتلئ بالكامل بالكلمة الذي يبيد الفساد ].

القديس كيرلس الكبير، ك4 - ف 2 ، تعليقه علي يو 6 : 51


إذن قبل أن تتناول أسأل نفسك هل أنت مستحق لأن تتقدم؟

إجابتك ستكون بالتأكيد: لا، ... ، أكمل أذن الجملة و قل: لكني محتاج


يقول الكاهن قبل التناول مباشرا : [اجعلنا مستحقين كلنا، يا سيدنا،

أن نتناول من قُدساتك طهارةً لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنا.

لكي نكون جسدا واحدا، وروحا واحدا، ونجد نصيبا وميراثا مع جميع القديسين الذين أرضوك منذ البدء. ( القداس الباسيلي)


و يقول القديس كيرلس الكبير عن أولائك الذين يمتنعون عن التناول بحجه عدم الإستحقاق:

[إن كنا نصلي لننال واهب الخلود في أنفسنا، فعلينا ألا نشابه بعض الطائشين، فنرفض أن نتبارك (ننال البركة)، وألا ندع الشيطان العميق في الشر، ينصب لنا فخا وشركا من التقوى الضارة. ويقول أجل، أنه مكتوب "لأن الذي يأكل ويشرب بدون استحقاق يأكل ويشرب دينونة لنفسه" (اكو١١: ۲۹)؛ وها أنذا قد فحصت نفسي، فوجدت أنني غير مستحق، فمتى إذن ستكون مستحقا. أو متى تقدم نفسك للمسيح ؟ لأنك إن كنت ترتاع دائما، مبتعدا بعثراتك، فإنك لن تتوقف أبدا عن (الوقوع) في العثرة، إذ يقول المرنم: "الهفوات من يشعر بها؟" (مز ۱۲:۱۸). وكيف تكون كاملا وصحيحا دون الاشتراك في ذلك التقديس الذي يحفظ الإنسان تماما. لتقرر أن تحيا حياة أكثر قداسة في توافق مع الوصايا ، وهكذا اقبل البركة (الأولوجية)، مؤمنا أن لهذا السر القدرة على طرد ، لا الموت فقط، بل الأمراض التي فينا].

شرح انجيل يوحنا- القديس كيرلس الكبير، ك4 - ف 2 ، تعليقه علي يوحنا 6 : 65

و في صلوات التقديس يقول الكاهن سر حلول الروح القدس

: [نسألك أيها الرب إلهنا نحن عبيدك الخطاة غير المستحقين نسجد لك بمسرة صلاحك

وليحل روحك القدوس علينا (ويشير عندئذ إلى ذاته ثم إلى القرابين ويكمل قائلًا)

وعلى هذه القرابين الموضوعة ليطهرها ويحولها ويظهرها قدسًا لقديسيك] القداس الباسيلي


2- التناول هو أن يحيا المسيح فيا ، هو اتحاد بالمسيح

"فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا في" غل 2 : 20

"إلى أن يتصور المسيح فيكم" غل 4: 19


معني إن المسيح يحيا فيا، أن الخطية سوف تهرب، فلا يحيا فيا الموت أو الخطية.

"لأنه أية خلطة للبر والإثم؟ وأية شركة للنور مع الظلمة؟ " 2كو 6: 14

وبتالي سيكون من يراك كأنه يرى المسيح، و من يتعامل معاك كأنه يتعامل مع المسيح و بذلك نبشر بموت المسيح (عنا) و نعترف بقيامتنا بالمسيح من موت الخطية

"فإنكم كلما أكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس، تخبرون بموت الرب إلى أن يجيء" 1كو 11: 26

و يقول أبونا الكاهن في القداس: لأن كل مرة تأكلون من هذا الخبز. وتشربون من هذه الكأس. تبشرون بموتي وتعترفون بقيامتي وتذكروني إلي أن أجئ.

و يرد الشعب: آمين آمين آمين بموتك يارب نبشر، و بقيامتك المقدسة و صعودك ... نعترف...

ومعني أننا نتحد و نشترك في جسد المسيح، أننا نتحد بربنا، لأن المسيح إله كامل و إنسان كامل، و هكذا نتحد بربنا (حسب ما هو مناسب لنا، اتحاد نسبي- فلن نكون إلهه)


3- التناول يعطي ثباتا في المسيح

"من يأكل جسدي و يشرب دمي يثبت فيا و أنا فيه" يو 6 : 56

إن الافخارستيا هي العصارة التي ترسلها الكرمة للأغصان لكي تصنع ثمرا، و طالما لم يثبت الغصن في الكرمة فإنه سيجف سريعا و يسقط، لذلك ذكر اللهم هذه الفكرة صراحة قبل العشاء ( راجع يوحنا ١٥)


[كُلُّ غُصْنٍ فِيَّ لاَ يَأْتِي بِثَمَرٍ يَنْزِعُهُ، وَكُلُّ مَا يَأْتِي بِثَمَرٍ يُنَقِّيهِ لِيَأْتِيَ بِثَمَرٍ أَكْثَرَ. 1 «أَنَا الْكَرْمَةُ الْحَقِيقِيَّةُ وَأَبِي الْكَرَّامُ. 4 اُثْبُتُوا فِيَّ وَأَنَا فِيكُمْ. كَمَا أَنَّ الْغُصْنَ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَأْتِيَ بِثَمَرٍ مِنْ ذَاتِهِ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْكَرْمَةِ، كَذلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا إِنْ لَمْ تَثْبُتُوا فِيَّ. إنجيل يوحنا4,1,2:15]


ويقول القديس كيرلس الكبير:

[إن جسد المسيح المقدس إذن يعطى حياة لأولئك الذين ينالون الجسد في داخلهم، فيحفظهم جميعا في عدم فساد، إذ يختلط بأجسادهم، لأننا ندرك أنه ما من جسد آخر سوى جسده هو الذي بالطبيعة هو الحياة، الذي فيه كل نعمة الكلمة" المتحد به، والذي لا يعادله جسد آخر، أجل أو بالحري الذي يتحقق مع قدرته الفاعلة، التي بواسطتها تحيا كل الأشياء وتبقي في الوجود ، لكن إذ الأشياء هذه هكذا، فعلى الذين اعتمدوا الآن وذاقوا النعمة الإلهية، أن يعرفوا ، أنهم إن هم تراخوا في الذهاب إلى الكنائس أو استصعبوا الأمر وظلوا زمانا طويلا بعيدين عن عطية الإفخارستيا بالمسيح، وتظاهروا بورع زائف، من جهة أنهم لن يشتركوا فيه سرائريا ، فإنهم يقطعون أنفسهم عن الحياة الأبدية إذ أنهم حادوا عن الحياة ، وإن بدا رفضهم هذا ، ثمرة من ثمار ورعهم فإنه يتحول إلى فخ ورذيلة].

شرح انجيل يوحنا- القديس كيرلس الكبير- ( ك3 - ف 6: تعليقه علي يو 6 : 35)


4- لذلك فالتناول هو طعام الحياة الأبدية

لأن التناول هو عربون الحياة الآبدية، ففي الآبدية، سيكون اتحادنا بالمسيح أتحاد أقوي و أعمق بكثير، فلا تعب، ولا آلم، ولا حزن، ولا شيء سوى الفرح و السعادة و الإبتهاج.


"من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية، وأنا أقيمه في اليوم الأخير

من يأكلني فهو يحيا بي.

من يأكل هذا الخبز فإنه يحيا إلى الأبد" يو 6: 54-58

و يقول الكاهن في القداس: يعطى حياة آبدية لمن يتناول منها

كما يسميها الآباء دواء الخلود، ترياق عدم الموت

يقول القديس اوغسطينوس:

[عندما أتحد بك، لن يكون هناك أحـزان ولا تجـارب؛ لأني سأمتلئ منك كلية، وبذلك تكتمل حياتي]

الاعترافات .١٠ ,٢٨ ,٣٩ .

إذن التناول ليس طعاما عاديا للجسد، بل هو طعاما سرائريا له فعاعليته في تطهير و تقديس الإنسان ككل (جسد و نفس و روح)


5- التناول شركة في جسد واحد مع الله و مع المؤمنين

كان قديما يقوم القرابني بالمرور علي بيوت المسيحيين ليلة القداس و يأخذ من كل بيت مسيحي القليل من الدقيق، و بتالي يكون القداس في اليوم التالي يمثل الشعب كله ، فتكون قربانه واحدة، فنتناول و نصبح جسد واحد.

نفس الشيء نفعله الآن عندما يمر أحد الخدام بظرف العطا، فكأنك بتشارك في القرابين التي يرفعها أبونا علي المذبح، و كل الشعب يشارك حسب ما يقدر.

لذلك يقول من هم خارج عن المسيحيين أنهم : "قرايب"، أو "ولاد خالة" ، فلأنهم يرون أن كل المسيحيين هم أخوة و جسد واحد فعلا. والسر ببساطة في المعمودية الواحدة و الذبيحة الواحدة .


[كما أن هذا الخبز المكسور،

كان مرة مبعثرًا على التلال،

وقد جُمع ليصير (خبزًا) واحدًا،

كذلك اجمع كنيستك، من أقاصي الأرض، في ملكوتك!

لك المجد والسلطان بيسوع المسيح أبد الدهور.]

من نصوص الديداكية (القرن الثاني)

و الدسقولية ( تعليم الرسل) كتب القرن 4 أو 5 تقول: إن السيد المسيح الذي هو رأس جسده الكنيسة يضمنا في جسده كما تضم الخبزة حبات كثيرة من القمح وأيضًا يضم العصير حبات كثيرة من العنب.]


المصالحة

و بتالي لا يصح التناول و أنا في حالة خصومة مع أحد (حتي لو غير مسيحي)

"فإن قدمت قربانك إلى المذبح، وهناك تذكرت أن لأخيك شيئا عليك ، "فاترك هناك قربانك قدام المذبح، واذهب أولا اصطلح مع أخيك، وحينئذ تعال وقدم قربانك" مت 5: 23-24

[لا يجتمع معكم كل من له منازعة مع صاحبه حتى يتصالحا، لئلا تتنجس ذبيحتكم] (ديداخي 2:14 ).

كما يقول الكاهن اجعلنا مستحقين أن نقبل بعضنا بعضا بغير دينونة ، ويرد الشماس قائلا:

[قبلوا بعضكم بعضا بقبلة مقدسة. يارب ارحم(3). نعم يارب الذي هو يسوع المسيح ابن الله، اسمعنا وارحمنا. تقدموا تقدموا تقدموا على الرسم، قفوا برعدة، والي الشرق أنظروا. ننصت. ]

تقدموا هنا بالقبطي Procverin بروسڤارين ... و معناها، قدموا ( عطياكم للكنيسة) ( وكان قديما يممكن أن تكون العطايا دقيق و خمر و زيت و شمع و أي شيء من مستلزمات الكنيسة، وماهو مازال شيء منه مستمر حتي الآن، لأنه كان لابد للشعب أن لا يأتي إلي الكنيسة فارغا "لا تحضر أمام الرب فارغا؛" (سي 35: 6). (حتي لو من إخوة الرب لابد أن يحضر معه شيء، ولعلنا نلاحظ إن الكاهن يقول أصحاب القليل قبل أصحاب الكثير [أوشية القرابين]...)


وكان الشماس يذكرنا بأنه لن يقبل عطايا أو تقدمات لشركة الأفخارستيا إلا بعد أن نقبل بعضا بعضا علامة المصالحة بين جميع أعضاء الكنيسة.


إذن التناول هو إتحاد رأسي مع المسيح و أفقي مع كل المؤمنين

"فإننا نحن الكثيرين خبز واحد، جسد واحد، لأننا جميعنا نشترك في الخبز الواحد" 1كو 10: 17

ويقول الكاهن أيضا: أجعلنا مستحقين كلنا يا سيدنا ، أنا نتناول ...لكي نكون جسدا واحدا، وروحا واحدا.


فينبهنا ذلك لأهمية أنا نصلي معا بروح واحدة و بصوت واحد، فالكاهن يصلي، و الشماس يرد عليه، و والشعب يصلي بمرداته، مع باقي الشمامسة، و ليس الشمامسة فقط، فالقداس ليس مجالا للكلام أو للنميمة أو الثرثرة أو النوم.

كما أن القداس مجالا لنشارك فيه إخواتنا المؤمنين الذين لم يحضروا، بسبب مرض او سفر او أي عائق او مانع، و ليس فقط المؤمنين، إننا نذكر العالم كله حتي المياه والينابيع و المسالك و اليحيرات من خلال عدد كبير من الآواشي.

كما أن الصلوات الكثيرة و التسبحة و رفع البخور قبل القداس، كل ذلك لا نصليه لأجل الإطالة بدون هدف أو لتضيع الوقت، لكن كل ذلك يسمى فرش الملك، فلا يليق بملك الملوك أن يدخل قصره ليملك دون فرش يليق بقدومه، وفرش الكنيسة و ورودها و ستائرها و كراسيها ومصابيحها ماهو إلا تسابيحها و اللحانها و بخورها و طقوسها.


القداس الإلهي أيضا شركة مع السمائيين : فنصرخ مع الشاروبيم و السيرافيم : قدوس قدوس قدوس

شركة مع القديسين المنتقلين : الذكصولوجيات – الهيتنيات – التماجيد ، لأنهم موجودين معانا

و بتالي و أنا واقف في الكنيسة، فأنا واقف أمام الله في حضرة الملائكة و القديسين و الأبرار و الشهداء، أنا فعليا واقف في السماء.


و الكنيسة عندما تعاقب شخص ما صنع خطية عظيمة، تفصله عن الشركة، وليس الشرمة هنا هي فصله عن سر التوبة و الاعتراف، لكن الشركة هنا هي التناول، فهي تفصله من أن يكون مع بقية الكنيسة في نفس الجسد، إلي أن يتوب و يندم علي خطيته، لكي لا يفسد الجسد كله و يفسد القربانه.

 ناهيك عن وصف السماء في سفر الرؤيا، و المتأمل اليقظ ينتبه للوصف فيجده وصفا للكنيسة

فالخروف القائم علي العرش كأنه مذبوح ما هو الإ ذبيحة الإفخارستيا

الشاروبيم و السيرافيم حول العرش يرفرفون بأجنحتهم ما هم إلا مثال الشمامسة الذي يسبحون و يرفرفون برفارف ( و تستعمل أيضا لإبعاد الذباب و الحشرات)

البخور التي يرفعها الكهنة أمام المذبح و أمام أيقونات العذراء مريم و القديسين ماهي إلا صلواتهم..... فالصور و الأيقونات التي في كل ركن من أركان الكنيسة ماهي إلا إعلان لجموع المؤمنين المنتصرين المحتشدين في السماء.

هناك من يدخل ليتسامر مع أصحابه و يبحث عنهم ، وهناك من يجعل القداس مجالا للحديث و المناقشات ، و هناك من يدخل وهو يشهور و يرى بعيون (قلبه) الكنيسة فعلا كقطعه من السماء.


المراجع:

الكتاب المقدس

الخولاجي الكبير للقمص عبد المسيح مينا المسعودي

المسيح في سر الأفخارستيا- القمص تادرس يعقوب ملطي

مذكرة معهد الرعاية في الافخارستيا- نيافة الأنبا بنيامين مطران المنوفية

شرح إنجيل يوحنا- القديس كيرلس الكبير

الإفخارستيا سر الحياة- د.مارك شنودة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفسير "الصخرة" في أيه إنجيل متي "علي هذه الصخرة ابني كنيستي" - القديس أوغسطينوس

تفسير القديس أوغسطينوس للعنف و الحروب في العهد القديم

أقوال أباء عن طبيعة عذاب النار أو جهنم