لمن قُدمت ذبيحة المسيح علي الصليب؟

"الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع" ا تي 2 : 6 ، "لأن ابن الإنسان أيضا لم يأت ليخدم بل ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين" (مر 10 :45؛ متي 20 : 28)، "قد أشتريتم بثمن" (1كو 6: 20 ؛7: 23)

إن المسيح قدم نفسه فُـدية هذا تعليم واضح و أساسي في الكتاب المقدس، لكن لمن ؟

قال البعض للآب ، بينما قال البعض للشيطان !


فكرة أن فدية المسيح و ذبيحته قُدمت للشيطان هو فكر خاطئ بالتمام، وهو فكر موجود فعلا و تطور علي يد أوريجيانوس و جزئيا عن طريق القديس غريغوريوس النيصي. 
ولقد رد القديس غريغوريوس اللاهوتي (صديق القديس غريغوريوس النيصي) مفسرا بشكل كامل أن هذه النظرية لا أساس لها من الصحة ، مثلما فعل يوحنا الدمشقي ذلك لاحقا (Exact Exposition of the Orthodox Faith, book III, ch. 27).


يقول أوريجانوس:
[لمن أعطى حياته فدية عن كثيرين؟ لا يمكن أن يكون قد أعطى لله. أليس إلى الشيطان؟ فهو الذي كان يسود علينا حتى دُفِعت الفدية عنّا، أي نفس يسوع الإنسانية التي دُفِعت إليه. لأنه (الشيطان) خُدِع وظن أنه يمكن أن يسود على نفس يسوع الإنسانية ولم يكن يعرف أنه غير قادر على أن يحتمل عذاب الإمساك بها (بنفس يسوع الإنسانية)]
شرح إنجيل متى ١٦ :٨

ويقول أيضا:

[إذا كنّا قد "اشترينا بثمن" كما يؤكد بولس في (١كو٢٠:٦ , ١كو٢٣:٧)، فإنّنا بدون شك قد اشترينا من شخص كنّا عبيداً له. وهو نفسه الذي حدّد الثمن الذي يجب أن يُدفع له حتى يترك الذين كان يسود عليهم وكانوا تحت سلطانه. وكان الشيطان هو الذي يسود علينا والذي كنا نقف معه صفاً واحداً لأن خطايانا جذبتنا إليه. وطلب الشيطان ثمناً يُدفع له أي دم المسيح]
on Romans II: 13

أما رد القديس غريغوريوس النزينزي اللاهوتي فيقول :
[ الأن علينا أن نفحص حقيقة و عقيدة أخرى، أهملها معظم الناس، لكن في رأيي تستحق جدا أنا نستفسر عنها. إلي من قٌـدم هذا الدم المسفوك لأجلنا، ولماذا سُفك؟ أنا أقصد هذا الدم الغالي و الشهير لإلهنا و رئيس كهنتنا، و ذبيحتنا . لقد امسكنا في العبودية من الشرير، مُباعين تحت الخطية، و تلذذنا بالشر. الأن، بما أن الفدية تخص فقط من اِستعبد {أو أمُسك} في العبودية {أي الإنسان}، أنا أسأل لمن قُدمت، ولأي سبب؟ إن كان للشرير، فكم هذا مثير للغضب! أن يحصل السارق علي الفدية، ليس فقط من الله، لكن الفدية التي هي نفسها الله، و يحصل علي مثل هذا المبلغ اللامع {الثمين} مقابل طغيانه، مبلغ لأجله كان من الأصح بالنسبة له أن يتركنا بمفردنا بالتمام. لكن إن كانت {دُفعت الفدية} إلي الآب، أنا أسأل أولا، كيف؟ لأنه ليس هو الذي آسرنا؛ و من ثم، بأي مبدأ سر الآب بدم أبنه الوحيد، الذي لم يقبل حتي إسحاق، عندما قدمه له والده {كذبيحة}، لكن بدل الذبيحة، واضعاً كبشاً بدلا من التقدمة البشرية؟أليس من الواضح أن الآب يقبل الذبيحة، لكنه أبدا لم يطلبها أو يحتاجها؛ و لكن لحساب التدبير{التجسد}، ولأن الناسوت يجب أن يتقدس بناسوت الله، حتي يخطبناإلي نفسه، و يهزم الطاغية، و ليحضرنا إلي نفسه بوساطة ابنه، الذي رتب ذلك أيضا لشرف الآب، الذي له أظهر أنه أطاع في كل شئ؟] 
Oration 45, 22

و من الأباء الأخرين الذي تحدثوا في هذه النقطة
يقول القديس كبريانوس: [إذ كان يسوع المسيح ربنا و إلهنا، هو نفسه رئيس كهنة الله الآب، و قد قدم نفسه كذبيحة أولا إلي الآب، و قد أمر أن يُفعل ذلك إحياء{امتداد} لذكري نفسه، و بتأكيد يقوم الكاهن بدور المسيح كمثال لما فعله المسيح؛ إذن هو يقدم ذبيحة حقيقية و كاملة في الكنيسة إلي الله الآب]
St. Cyprian of Carthage, Epistle 62, 14

القديس أثناسيوس الرسولي :
[وهكذا إذ اتخذ جسدًا مماثلاً لطبيعة أجسادنا، وإذ كان الجميع خاضعين للموت والفساد، فقد بذل جسده للموت عوضًا عن الجميع، وقدّمه للآب. كل هذا فعله من أجل محبته للبشر]
تجسد الكلمة- ف8 :4 ( ترجمة :د.جوزيف موريس فلتس، و تتفق مع ترجمة القمص مرقس داود]

كما يشرح القديس كيرلس الكبير سبب تقديم المسيح ذاته ذبيحة من أجلنا مستشهدا بما قاله بولس الرسول في رسالته إلى العبرانيين: "فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضا كذلك فيهما، لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت، أي إبليس (عب ٢: ١٤ )

[لأنه لم يكن من طريق آخر به يمكن أن ذاك الذي له سلطان الموت يمكن أن يباد، وكذا الموت أيضا، لو لم يبذل المسيح نفسه فدية لأجلنا، الواحد لأجل الجميع، لأنه كان نائبا عن الجميع. لهذا يقول في المزامير أيضا، مقدما ذاته كذبيحة بلا عيب الله الآب، بذبيحة وتقدمة لم تسر، لكن هيأت لي جسدا، محرقة وذبيحة خطية لم تطلب. حينئذ قلت: هانذا جئت. (مز ٤٠ : ٦ س). لأنه لما كان دم ثيران وتيوس ورماد عجلة ( عب ٩: ١٣) لم يكف لتطهير الخطية ولا كان حتى ذبح البهائم العجماء كافية بالمرة أن يبيد قوة الموت]
شرح إنجيل يوحنا: 6 ، المجلد الأول، ص ۳۸۳ - ۳٨٤ - مركز دراسات الآباء

كما يقول أيضا:
[فالناموس كان قد أذن لبني إسرائيل أن "يعطى كل واحد فدية نفسه..."(خر ۱۲:۳۰، ۱۳ س). لكن شاقلا واحدا يحوي نصفي شاقل. أجل، وهانحن هنا نرى ظلا للمسيح نفسه، الذي قدم ذاته لأجل الجميع، كما بالجميع (نيابة عنهم) قدم فدية لله الآب، ونفهم ذلك من الشاقل الواحد، لكنه ليس بمنفصل عن الآخر.(الابن عن الآب)]
شرح انجيل يوحنا- القديس كيرلس الكبير -ك3 ف٥ ( تعليقه علي يو 6 :27)
 
و يقول القديس باسيليوس (أخو القديس غريغوريوس النيصي) :
[ "إنه لا يملك أن يؤدي إلى الله كفَّارة عن نفسه، أو قيمة فدية نفسه، (حتى لو كدَّ إلى الأبد)" (مز 48: 7-8 LXX). إذن لا تسأل أخاك فدية عنك، بل اسأل ذاك الذي يفوق طبيعتك، فهو ليس إنسانًا مُجَرَّدًا، بل الله المتأنس يسوع المسيح؛ الذي وحده قادر أن يُقَدِّم فدية لله (الآب) عنَّا جميعًا. لأن الله قَدَّمَه كفارة بالإيمان بدمه (رو 3: 25). كان موسى أخًا لإسرائيل، ولم يكن قادرًا على خلاصه. الآن هل يمكن لأي إنسانٍ عادي أن يُخَلِّص؟ لذلك تعلن العبارة: "لا يقدر أخ أن يُخَلِّص؟" وعبارة أخرى في جدية يستفهم: "هل الإنسان يُخَلِّص؟" (مز 48: 7 LXX)
لم يُحَرِّر موسى شعبه من الخطية، إنما سأل الله الإعفاء من العقوبة عن الخطية. على أي الأحوال، لم يكن قادرًا أن يفدي نفسه عندما أخطأ. فإنه بعد أن صنع عجائب كثيرة عظيمة وآيات رآها، نطق بهذه الكلمات التي تُعَبِّر عن الشك: "اسمعوا أيها المُتمرِّدون المرتابون: أمن هذه الصخرة يمكننا أن نخرج لكم ماءً؟!" (راجع عد 20: 10). لهذا، من أجل هذه الكلمات قال الرب لموسى وهرون: "من أجل أنكما لم تؤمنا بي حتى تُقَدِّساني أمام أعين بني إسرائيل، لذلك لا تُدخلان هذه الجماعة إلى الأرض التي أعطيتهم إيَّاها" (عد 20: 12)، لذلك لم يُقَدِّم لله فدية عن نفسه.
بالحقيقة ماذا يقدر الإنسان أن يجد شيئًا عظيمًا كافيَا ليُقَدِّمَه فدية عن نفسه؟ لكن وُجِدَ شيء واحد يستحق أن يُقَدَّم عن كل الناس معًا. هذا قُدِّم كثمنٍ لفداء نفوسنا، دم ربنا يسوع المسيح المقدس والمُكَرَّم جدًا، الذي سفكه من أجلنا جميعًا، لذا فنحن اُشترينا بثمنٍ عظيمٍ (1 بط 2: 22).
إن كان الأخ لا يُخَلِّص، فهل يقدر إنسان أن يَخلُص؟ لكن إن كان الأخ لا يقدر أن يُخَلِّصنا، إذن فإن الذي خَلَّصنا ليس إنسانًا. لهذا لا تظنُّوا لأنه حلَّ بيننا "في شكل جسدنا الخاطئ" (رو 8: 3)، أن ربَّنا إنسان مُجَرَّد، عاجزين عن إدراك قوة لاهوته، هذا الذي ليس في حاجة أن يُقَدِّمَ فدية عن نفسه، ولا أن يفدي نفسه، لأنه "لم يفعل خطية، ولا وُجِدَ في فمه مكر" (1 بط 2: 22). ليس أحد فيه كفاية أن يُخَلِّصَ نفسه، ما لم يأتِ ذاك الذي يزيل سبي البشر لا بفديات، ولا بعطايا كما هو مكتوب في إشعياء (52: 3)، وإنما بدمه.
وإن كنا لسنا إخوته، إذ صرنا أعداء بعصياننا، فإن ذاك الذي ليس إنسانًا مُجَرَّدًا وإنما هو الله، بعد الحرية التي وهبنا إيَّاها دعانا إخوته. إنه يقول: "أُخْبِر باسمك إخوتي" (مز 22:22؛ عب 2: 12)، ذاك الذي يُخَلِّصنا، إن فحصتم طبيعته، فهو ليس أخًا ولا إنسانًا، إنما إن فحصتم تنازُله إلينا بالنعمة يدعونا إخوته، ينزل إلى طبيعتنا البشرية ذاك الذي لا يعطي الله فدية عن نفسه، إنما عن العالم كله.
إنه ليس في حاجة إلى فدية، هو نفسه كفَّارة. "لأنه كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا قدوس بلا شرٍّ ولا دنس قد انفصل عن الخطاة، وصار أعلى من السماوات، الذي ليس له اضطرار كل يومٍ مثل رؤساء الكهنة أن يُقَدِّم ذبائح أولًا عن خطايا نفسه، ثم عن خطايا الشعب" (عب 7: 26-27). عندئذ يقول: "وعمل (حتى ولو كدَّ) إلى الأبد أو عاش إلى النهاية" (راجع مز 49: 8-9). فإن وجود (الفادي) بذاته، وقدرته، وطبيعته المثابرة تعمل بكدِّ في هذه الحياة، وعندما تعب من الرحلة جلس عند البئر (يو 4: 5).]

Homily 19:4, (On Ps 48 LXX). Unto the End, A Psalm for the Sons of Core on the Prosperity of the Wicked.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفسير "الصخرة" في أيه إنجيل متي "علي هذه الصخرة ابني كنيستي" - القديس أوغسطينوس

تفسير القديس أوغسطينوس للعنف و الحروب في العهد القديم

أقوال أباء عن طبيعة عذاب النار أو جهنم