شرح عقيدة التأله - وفق الفكر القبطي الارثوذوكسي
لفظ التأله [بالإنجليزية من أصل يوناني "theosis" أو من أصل لاتيني "deification"]، وغالبا لا يوجد فرق بينهما كلفظ، و "التأله" لفظ معروف في الكتاب المقدس و كتابات الآباء، و ربما يكون من أشهر أقوال البابا أثناسيوس الرسولي: [تجسد ليؤلهنا (يجلعنا ألهة)] ضد الأريوسيين 2 : 59
و هو لفظ مرادف
لكلمات مثل: الاتحاد بالمسيح = شركة الروح القدس = أن نصير أبناء الله
(بالتبني) = الولادة من فوق = التمجد = الاستنارة ... إلخ
في الكتاب المقدس:
"أنا قلت: إنكم آلهة
وبنو العلي كلكم" مز 62 : 6
علي أن التأله
يبدأ من هنا في العالم، إذ يجاهد الإنسان في طلب المسيح، وليس سواه، يعطيه
الله أن يتحد به شئ فشئ، ليقدر أن ينتصر علي الخطية و الشهوة: "كما أن قدرته الإلهية قد وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى، بمعرفة
الذي دعانا بالمجد والفضيلة،اللذين بهما قد وهب لنا المواعيد العظمى والثمينة، لكي
تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية، هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة." 2 بط
1 : 4
و قد أستخدم لفظ التأله كثيرا جدا في كتابات الآباء: يحصرهم القس أثناسيوس المقاري في 15 من الأباء وهُم: القدِّيس أثناسيوس الرَّسولي. العلامة ديديموس الضَّرير. القدِّيس كيرلُّس الكبير، القدِّيس باسيليوس الكبير. القدِّيس غريغوريوس النَّزينزي. القدِّيس غريغوريوس النِّيسي. القدِّيس يوحنَّا فم الذَّهب. القدِّيس هيلاري. القدِّيس أوغسطينوس. القدِّيس أنبا أنطونيوس. القدِّيس أنبا مقار الكبير. القدِّيس إيسيذوروس. مار أفرآم السِّرياني. الشَّيخ الرُّوحاني. مار اسحق السِّرياني.
و ليس في كلمة
التأله ما يزعجنا، طالما نفهمها بدقة.
فالتأله ببساطة هو
هبة مجانية من الله، أعطاها لنا لنتحد به و نصيره إلهة بالنعمة، ليس بمعني
ألهة منفصلة، لكن أن نتأله نتيجة إتحادنا في لاهوته.
فمثلا : الله
كامل، و الأنسان مهما بلغ من الكمال، هو كمال نسبي بالمقارنة بالله، لكن عندما
يتحد الإنسان بالله، و يسعي في طريق الفضيلة، يعطيه الله أن يصير كاملا بإتحاده به
( الذي هو الكامل).
و بالمثل، الله
قدوس، و يهب القداسة و الطهارة، لمن يتحد به، طالما يسعي في طريق الفضيلة بإمانة،
فيصير الإنسان مُقدس في الله القدوس.
وهكذا ، المحبة، و
الرحمة ... إلخ.
و بالتأكيد بمجرد
أن ينفصل الإنسان عن الله(بالخطية) يخسر هذه الصفات، سواء الكمال أو القداسة أو
التأله ... إلخ.
فالتأله كان هدف الله للإنسان من البداية، لولا
تسرع آدم ومحاولته أن يتأله بمخالفة الوصية مستمعا كلام الحية التي قالت له:
"لن تموتا بل الله
عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر" تك 3 : 4-5
وفي التأله يقول
القديس كيرلس الكبير:
[نحن أبناء الله بل دُعينا آلهة في الأسفار الإلهية حسب المكتوب
"ألم أقل أنكم آلهة وبنو العلى كلكم" (مز 82: 6). هل يعني هذا أن نتخلى
عن كياننا ونرتفع إلى جو اللاهوت غير المنطوق به، وأن نخلع الابن الكلمة من بنوته
ونجلس نحن في مكانه مع الآب ونجعل محبة الذي أكرمنا عذرًا للكفر؟ حاشا لله. فالابن
هو كائن غير متغير، أما نحن فبالتبني صرنا أبناء وآلهة بالنعمة...
إذن نحن نرتفع إلى
كرامة أسمى من طبيعتنا بسبب (بفضل) المسيح لأننا سنكون أيضًا "أبناء
الله" ليس مثله تمامًا، بل بالنعمة وبالتشبه به. فهو الابن الحقيقي، الكائن
مع الآب منذ الأزل، أما نحن فبالتبني بسبب تعطفه، ومن خلال النعمة التي أخذناها "أنا قلت أنكم آلهة، وكلكم أبناء العلي" (مز 82: 6)]
ثم يشرح الفرق بين بنوتنا نحن للآب، و بنوة
الابن للآب: [.. وأيضًا يمكننا أن نرى بكل وضوح أنه الابن الحقيقي بالمقارنة مع
أنفسنا فهو بالطبيعة له كيان خاص، غير كياننا الذي بالتبني وبالتشبه. إذن هو
الابن بالحق وبالطبيعة، ونحن صرنا به أبناء أيضًا، وننال الخيرات بالنعمة دون أن تكون هذه الخيرات هي من طبيعتنا]
شرح إنجيل يوحنا
للقديس كيرلس، ترجمة د. جورج حبيب بباوي، مراجعة د. نصحي عبد الشهيد، يناير 1989،
صفحة 103 ، 125
ويقول أيضا: [إن الكلمة الذي من الله الأب يرقينا إلى حد أن يجعلنا شركاء طبيعته
الإلهية بواسطة الروح (القدس) وبذلك صار له الآن إخوة مشابهون له و حاملات صورة
طبيعته الإلهية من جهة التقديس. لأن المسيح يتصور فينا هكذا: بأن يغيرنا الروح
القدس تغييرا جذريا من صفاتنا البشرية إلى صفاته هو وفي ذلك يقول لنا بولس
الطوباوي: «وأما أنتم فلستم في الجسد بل في الروح« (رو ٨: ٩)، فمع أن الابن لا
يحول أحدا قط من المخلوقين إلى طبيعة لاهوته الخاص - لان هذا مستحيل- إلا أن سماته
الروحية ترتسم بنوع ما في الذين صاروا شركاء طبيعته الإلهية بقبول الروح القدس، و بهاء لاهوته غير المفحوص يضيء
مثل البرق في نفوس القديسين ]
المقال الثالث ضد نسطور
PG 76, 129; ACO 1,1,6.60.11
و نفس المفهوم عند البابا أثناسيوس الرسولي
فيقول: [ها نحن إذن نتحدث بحرية عن الإيمان الصحيح النابع من الكتب الإلهية، ونضع
هذا الإيمان كسراج على المنارة فنقول: ابن حقيقى حسب الطبيعة للآب ومن نفس جوهره،
وهو الحكمة وحيد الجنس وهو الكلمة الحقيقي الوحيد لله وهو ليس مخلوقا ولا مصنوعا،
ولكنه مولود حقيقى من ذات جوهر الآب، ولهذا فهو إله حق إذ هو واحد في الجوهر
"هوموسيوسὁμοούσιος
" مع الآب الحقيقي
أما بالنسبة للكائنات الأخرى، التي قال لها: «أنا قلت: أنتم آلهة ، فإنها حصلت على هذه النعمة من الآب وذلك فقط بمشاركتها للكلمة عن طريق
الروح القدس]
ضد الآريوسين- مقال ٣ فصل٣ فقرة ٩
كما أن القديس
أبومقار الكبير يستخدم
لفظ التأله كمرادف لكلمة ابن الله و التقديس من الميرون فيقول في عظته عن التواضع
[الذي يخضع نفسه ويغضب على ذاته وشهواته الملازمة له، فإنه يصبح بمثابة
من أخضع مدينة أعدائه، ويصير أهلا لأن يرتقي إلى قامة الروح القدس الصالحة، ويحصل
بالقدرة الإلهيّة على الإنسان النقي و يغدو أعظم من نفسه. لأن مثل هذا الإنسان
يتأله ويصبح ابن لله، نائلا السمة السماوية في نفسه، إذ إن مختاري الله يمسحون
بزيت التقديس و يصيرون شرفاء بل و ملوكا].
عظة ١٥: ٣٥
كما تعبيرات مرادفة للتأله مثل ( تتمجد- تستنير- لبسو مجد النور الإلهي-مسحاء - الهة- اولادا لله..)، و عن قيامة الاجساد كما قامت النفوس في المسيح- يقول:
[أما عند قيامة الأجساد التي قد قامت نفوسها قبلا وتمجدت، فحينئذ تتمجد الأجساد أيضا معها وتستنير مع النفس التي قد استنارت منذ الآن وتمجدت، لأن الرب يكون بيتهم وخيمتهم ومدينتهم. فلقد لبسوا «المسكن الذي من السماء غير المصنوع »، أي مجد النور الإلهي، کونهم صاروا أبناء للنور، فلن يرمقوا بعضهم بعضا بعين شريرة، لأن الشر يكون قد انتفى. هناك «لیس ذكر وأنثي، عبد و حر»، إذ يتغير الجميع إلى طبيعة ذات صفات إلهية(و ليس للطبيعة الإلهية نفسها)، صائرين مسحاء وآلهة وأولادا لله. هناك سيتكلم الأخ حينئذ بلا خجل مع أخته بالسلام، لأنّ جميعهم وجميعهن يكونون واحدا في المسيح، مستريحين في نور واحد. سيتطلع الواحد إلى الآخر، وفيما هم يتطلعون سيشعون للوقت مرةأخرى بالحق، برؤيتهم الحقيقية للنور الذي لا يعبر عنه.]
عظة 34 : 2
إذن العلاقة مع
الله، ليست علاقة خارجين بين شخصين، كما يروج لها الكثيرين ( و بالأخص الأخوة
البروتسانت)، لكن علاقة إتحاد و وحدانية، عبر عنها الكتاب المقدس في أكثر من مرة
بمعني الزيجة، فيصيرا "إذا ليسا
بعد اثنين بل جسد واحد."
مر 10 : 8، وفي المقابل استخدم الله لفظ الزني الروحي للتعبير عن رفض العروس (
النفس البشرية) للعريس ( المسيح) لتجري وراء ألهة أخري ( مثل الأصنام – الشهوة –
الخطية – المال ... و هكذا... )
أفكار خاطئة عن التأله
هناك عدة أراء غريبة و فلسفية في عقيدة التأله أو الإتحاد بالله منها
:
تعليقات
إرسال تعليق