التأله ... عند القديسان أثناسيوس الرسولي و كيرلس الكبير
مقدمة
التأله .. هو لفظ أبائي مشهور و معروف جدا في كتابات الآباء ، و مع ذلك لا نجد هذا اللفظ في الكتاب المقدس ( لا يعني عدم وجود اللفظ بالضرورة عدم وجود معناه ضمنيا) ، و أيضا لا نجده في ليتورجيتنا القبطية ، ربما بسبب ما يمكن أن يسببه هذا اللفظ من لبس و سوء فهم ، في مجتمع أصلا يتهمنا بالشرك .لكن نجد اللفاظ لها نفس المعني ( و في نظري هي آدق) مثل نتحد بالله ، أو نشترك مع الله ، أو نتمجد بالله ، و هكذا ...
و أبرز هذه العبارات ما يررده الكاهن في ختام الصلوات فيما بعرف بالبركة الرسولية : [ محبة الله الآب ونعمة الإبن الوحيد ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح. وشركة وموهبة الروح القدس تكون مع جميعكم. ] ...
و لفظ التأله هو لفظ غير مستحب من وجهة نظري الخاصة ... لأنه يفيد بأن لنا طبيعة إلهية و أننا نستوجب أن نُعبد ... بالإضافة إلي إمكانية التأله منفردين دون مصدر تألهنا الذي هو الله ... و هو ما يوقعنا في الشرك و الكفر تماما ...
لكن لفظ الإتحاد بالله أو نشترك في الله ، يفيد الوحدة و الإتحاد بالله ، و بتالي أن نتشبه به و تظهر صورته و مجده فينا ، مثلما أن تقترب أقمار مظلمة متناهية الصغر من الشمس ، فتظهر ( مع تجاوزنا علي مدي صحة المثال أصلا) و كأنها منيرة بنور الشمس و ليس نورها الخاص ، يختفي هذا النور بمجرد إبتعادها أو احتجاب نور الشمس عنها .
و هناك عدة أراء غريبة و فلسفية في عقيدة التأله أو الإتحاد بالله منها :
1- التأله بالطاقة : أي أننا لا نتحد بجوهر الله لأنها لا يمكن الاقتراب منه ، بل نتحد بقوته و طاقته ، فيما يعرف بالتأله بالطاقة ، و طبعا لا يمكن أن نقول علي طاقة الله أو نعمته أنها الله ، فمحبة الله ليس هي الله أو اللاهوت ، و إذا تجاوزنا دقة التعبيرات يمكن أن نقترب قليلا من الفكر الآبائي مثلما يتضح فيما بعد .
( و الجدير بالذكر أن نيافة الانبا بيشوي المتنيح له رد رائع علي موضوع التأله بالطاقة و له كتاب عنها أيضا )
2- الإتحاد الأقنومي : وهو اللفظ الذي نجده في كتاب العنصرة للقمص متي المسكين : وهو يعني أننا نتحد بالله مثل أتحاد اللاهوت بالناسوت ، أو ببساطة أننا نصير الله ، مساويين للمسيح ! ، و هذا ماهو مرفوض شكلا و موضوعا .
الفكر الآبائي السليم في موضوع التأله أو الإتحاد بالله .
التأله : ليس ان نصير ألهة لنا نفس طبيعة الله ، فحاشا ان نكون مثل الله او لنا نفس طبيعته ، لكن ان نتحد به و نقتني و نتشبه بصفاته بالنعمة دون ان تتغير طبيعتنا او ان نصير لنا ما له بالطبيعة .فيقول القديس كيرلس الكبير:
إذن نحن نرتفع إلى كرامة أسمى من طبيعتنا بسبب (بفضل) المسيح لأننا سنكون أيضًا "أبناء الله" ليس مثله تمامًا، بل بالنعمة وبالتشبه به. فهو الابن الحقيقي، الكائن مع الآب منذ الأزل، أما نحن فبالتبني بسبب تعطفه، ومن خلال النعمة التي أخذناها "أنا قلت أنكم آلهة، وكلكم أبناء العلي" (مز 82: 6)، فالطبيعة المخلوقة الخاضعة للخالق، دُعِيَت إلى ما هو فوق الطبيعة بإرادة الآب فقط، أما الابن، والإله والرب، فهو ليس الابن والإله بإرادة الآب واختياره، وإنما بالولادة من جوهر الآب ذاته يصبح بالطبيعة له كل صفات الله وصلاحه. وأيضًا يمكننا أن نرى بكل وضوح أنه الابن الحقيقي بالمقارنة مع أنفسنا فهو بالطبيعة له كيان خاص، غير كياننا الذي بالتبني وبالتشبه. إذن هو الابن بالحق وبالطبيعة، ونحن صرنا به أبناء أيضًا، وننال الخيرات بالنعمة دون أن تكون هذه الخيرات هي من طبيعتنا]
شرح إنجيل يوحنا للقديس كيرلس، ترجمة د. جورج حبيب بباوي، مراجعة د. نصحي عبد الشهيد، يناير 1989، صفحة 103 ، 125
و نفس المفهوم عند البابا أثناسيوس الرسولي فيقول أن التبني أو التأله حدث من خلال الابن ، أما الكلمة فهو ابنه بالطبيعة : فيقول القديس أثناسيوس : [وإن كان كل ما دعوا أبناء وآلهة إما في السماء أو على الأرض، تم لهم التبني والتأله من خلال الكلمة، والابن نفسه هو الكلمة، فمن الواضح أنه من خلاله {أي خلال المسيح} هم جميعهم، وهو نفسه قبل الكل، أو بالأحرى هو نفسه وحده الابن الحقيقي، وهو الوحيد إله حق من الإله الحق، ولم ينل هذه كمكافأة على بره ولا لكونه آخر معها، ولكن بسبب أنه كل هذه بالطبيعة و وفقًا للجوهر ]
NPNF, Vol.4, Discourses Against the Arians, Discourse I, p. 329.
و يقول أيضا أننا وهبنا هذه النعمة ، نعمة البنوة و التأله لنصير مثله رحيما و صانع خيرات لا بأن نصيره مثله لأن هو بالطبيعة و بالحقيقة أما نحن فالبنعمة :
[ فرغم أنه يوجد ابن واحد حسب الطبيعة وهو الابن الحقيقي الوحيد الجنس، هكذا نصير نحن أيضًا أبناء، لكن ليس مثله هو بالطبيعة وبالحق، بل بحسب نعمة ذلك الذي دعانا، ورغم أننا بشر من الأرض، ومع ذلك نصير آلهة ليس مثل الإله الحقيقي أو كلمته، بل كما قد سُرَّ الله الذي قد وهبنا هذه النعمة؛ هكذا أيضا نصير رحماء مثل الله، لا بأن نصير مساويين لله ولا بأن نصير صانعي خيرات بالطبيعة وبالحقيقة]
و أيضا القديس كيرلس يفرق بين الاتحاد في المسيح ، و الاتحاد فينا فيقول بأن إتحاد اللاهوت بالناسوت يختلف عن إتحادنا أو إشتراكنا أو تألهنا بالروح القدس.
[ فقرة (9) : وإذ نعترف بكل تأكيد أن الكلمة اتحد بالجسد أقنومياً، فإننا نسجد لإبن واحد الرب يسوع المسيح…
ولسنا نقول أن كلمة الله حل فى ذلك المولود من العذراء القديسة، كما فى إنسان عادى، لكى لا يُفهم أن المسيح هو “إنسان يحمل الله”. لأنه حتى إن كان “الكلمة حل بيننا” فإنه أيضاً قد قيل إن فى المسيح “يحل كل ملء اللاهوت جسدياً” (كو 2: 9). لذلك إذن نحن ندرك أنه إذ صار جسداً فلا يقال عن حلوله إنه مثل الحلول فى القديسين، ولا نحدد الحلول فيه أنه يتساوى وبنفس الطريقة كالحلول فى القديسين. ولكن الكلمة إذ اتحد “حسب الطبيعة” (kata fu,sin) ولم يتغيّر إلى جسد، فإنه حقق حلولاً مثلما يقال عن حلول نفس الإنسان فى جسدها الخاص.
فقرة (10) : وكما قلنا سابقاً، فإن كلمة الله قد اتحد بالجسد أقنومياً (kaq‘ u`po,stasion)، فهو إله الكل ورب الجميع، وليس هو عبد لنفسه ولا سيد لنفسه.]
رسالة القديس كيرلس السكندرى عامود الدين الثالثة إلى نسطور الفقرة (9) و (10)
أقوال الآباء عن
1- بيان بالكتب و فهرس الأخطاء الواردة فيها و معها ردود مختصرة الخاصة بكتاب مؤلف مشهور منسوب لكنيستنا - مايو 2015 - إعداد الانبا بيشوي مطران دمياط و كفر الشيخ و البراري .
2-(3) تأليه الإنسان و تفسير عبارة القديس بطرس الرسول "شركاء الطبيعة الإلهية " - إعداد الانبا بيشوي مطران دمياط و كفر الشيخ و البراري .
تعليقات
إرسال تعليق